الجمعة، 10 فبراير 2017

تطور المهنة المكتبية

مقدمة :-

إن تاريخ مهنة أخصائي المكتبة (Librarian) أو أخصائي المعلومات Information Specialist لم تكن وليدة عصرنا الحالي ولا القرن الماضي فقط ، بل تعتبر من أوائل المهن التي ظهرت في التاريخ ، حيث يمثل (توت) النموذج الأول لأمناء المكتبات في مصر القديمة كما تمثل زوجته (خاتور) النموذج الأول لأمينات المكتبات في مصر القديمة . ولذلك أطلق عليهما على سبيل المجاز وليس الحقيقة إله وإلهة الفكر ، وكانا المثال الذي يحتذى به من جانب العاملين في المكتبات المصرية على تعاقب الأجيال .
وفى العصور الوسطى والقديمة كان الشخص الذي تناط به مسئولية المكتبة هو في الغالب العالم أو الباحث أو المثقف الذي له دراية بالكتب وما يرتبط بها ، ولكن مع تطور المكتبات وتحديد وظائفها في العصر الحديث استلزم أن يكون الشخص من نوع آخر ، وبدأ الأمر باكتساب الخبرة من العمل مع الكتب ثم جاءت مرحلة أخرى وهى مرحلة الإعداد أو التأهيل الأكاديمي بعدة مراحل وأطوار من التأهيل العام إلى التأهيل النوعي ومن التأهيل على أداء العمل اليدوي إلى التأهيل على أداء العمل المعتمد على أحدث وسائل وأجهزة التكنولوجيا وما إلى ذلك .
وفى وقتنا الحالي يعد دور أخصائي المكتبات فعالا ومؤثرا سواء في البحث العلمي أو مجال المعرفة . وعلى الرغم من أهمية ذلك الدور الذي يتيح له تقديم العديد من الخدمات المتطورة لمواكبة التكنولوجيا الحديثة ، إلا أنه في حاجة إلى مزيد من إلقاء الضوء عليه ، ولذلك ترتكز دراستنا على تعريف دور أخصائي المعلومات و المكتبات في عصر التكنولوجيا وأهمية هذا الدور في ظل ما يشهده العالم من ثورة هائلة للمعلومات في مختلف فروع المعرفة البشرية . بالإضافة إلى التحديات الحديثة التي ظهرت في مجال المكتبات والمعلومات والتي يجب أن يكون قادرا على التعامل معها بالشكل الأمثل الذي يسمح له بتقديم خدمات المعلومات للمستفيدين من المكتبة أو مركز المعلومات مما يساعد على تنمية البحث العلمي وزيادة ثقافة المجتمع ومحو الأمية الثقافية. إن عملية تطوير الموارد البشرية وتحديث خدماتها يعد عنصراً مهماً في عملية الولوج إلى عصر المعلومات . ومن هنا برزت أهمية إعداد العنصر البشرى القادر على تناول المعلومات والتعامل معها لكي يواكب التطورات التكنولوجية الحديثة ويحقق أقصى إفادة منها .
إن مهنة المكتبات شأنها كسائر المهن التطبيقية الأخرى تحرص على متابعة ممارسي هذه المهنة لأحدث التطورات في مجال تخصصهم بالإضافة إلى تقديم كافة التسهيلات للعاملين فيها لمساعدتهم على تطوير أنفسهم من خلال البرامج التدريبية والتعليم المستمر . ولعل الحاجة ملحة اليوم إلى التطوير والتأهيل المهني طالما أن هناك تغييرات في استخدام وسائط التقنية الحديثة في المكتبات ، أو إضافة لإسهامات جديدة في مهنة المكتبات ، وفى خضم عالم التقنية والمعلومات فإن نظام التدريب والتعليم في المكتبات والمعلومات مطالب بأن يكون على يقظة لمتابعة التطورات خاصة ما تمثله التقنية الحديثة من تأثير على نوعية الخدمة المكتبية وعلى إدارة نظم المعلومات . هذه المواكبة تمليها الحاجة إلى إعداد أطر المستقبل للعمل في مكتبة المستقبل وكذلك إعادة تدريب العاملين حاليا في المكتبات ومراكز المعلومات .

المكتبة…النشأة و التطور

مفهوم المكتبة :

يمكن تعريف المكتبات بطريقة مبسطة على أنها مؤسسات اجتماعية علمية أعدت لاستقبال القراء و تزويدهم بمجموعات مختلفة من المطبوعات و المواد السمعية و البصرية التي تناسب احتياجات و مستويات القراء,.
و ترتب المطبوعات و المواد العلمية في المكتبات طبقا لخطط و طرق خاصة بحيث يتيسر الرجوع إليها في أقل وقت و بأقل جهد ممكن.
كذلك يمكن إطلاق لفظ مكتبة على أية مجموعة من الكتب ذات ترتيب أو تنظيم خاص,و تتميز المكتبات بالمظاهر العامة الآتية :
1- أن تكون كل مكتبة مزودة بمجموعات من الكتب و المواد الأخرى التي تناسب احتياجات المستفيدين أو البيئة التي تخدمها.
2- أن تيسر مكانا لجلوس القراء فيها لغرض الإطلاع على مل يلزمهم من مقتنياتها
3- أن تسمح غالبا بإعارة القراء بعض مقتنياتها في الخارج لمدد معينة تبعا للظروف و الإمكانيات.
4- أن تقدم خدماتها لجميع فئات الناس و دون تمييز بين فئة و أخرى (و نقصد هنا المكتبات العامة ( .
و يلاحظ وجود خلط بين كلمة “مكتبةالتي تدل على مكان الإطلاع و كلمة “مكتبة” التي تدل على مكان بيع المطبوعات, لذلك من الضروري التنبه لهذا الخلط , و يفرق الغربيون في اللفظ بينهما فيطلقون على الأولى” “library و على الثانية book shop.

نشأة الكتب و المكتبة .

لقد اختلطت نشأة الكتب مع نشأة اللغة من ناحية والفن من ناحية أخرى في المجتمعات التي لم تعرف أي نوع من أنواع الكتابة، كانت المشافهة هي الوسيلة الوحيدة لتبادل الأفكار ، والكل يعرف أن مؤلفي أشهر المؤلفات في التاريخ وهما الإلياذة والأوديسة أنشدها المغنون قبل أن تدون بوقت طويل ولقد ارتبط تاريخ المكتبات بالشرق القديم بسبب الحضارات القديمة التي نشأت فيه فقد وردت كلمة دور الكتب في نصوص مصرية قديمة كتلك التي عثر عليها بين أطلال الكرنك بالأقصر ، والتي عثر عليها في إدفو ، أيضاً عثر على مقبرتين لأمينين من أمناء المكتبات اسم كل منهما (مي أمون ) وهما لأب وولده ( (mi.amunوفي بابل عثر في مكتباتها على ألواح تضم أعمالا في اللغة والشعر والتاريخ وغيرها من الفنون ،وكان يقوم على حفظ موادها أمين خاص يسمى (رجل المحفوظات) ولعل أول من حمل هذا الاسم هو(إميل انو) “amil anu”.وقد بدأ إنسان ما قبل التاريخ بتسجيل أفكاره على هيئة نقوش محفورة على جدران المعابد والكهوف.وقد أبرزت الحفريات الحديثة فى بلاد ما بين النهرين للعيان ألواحًا من الطين عليها كتابة ترجع إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. وتعتبر أقدم هذه الألواح من الوثائق التاريخية متجمعة في أماكن خاصة من المعابد والقصور و التي تعتبر بداية نشأة المكتبات . .. ولقد كانت المكتبات سمة تلك الحضارة العربية؛فلقد شهد القرن التاسع الميلادي حركة مكتبية مزدهرة ؛فقد كانت معظم المساجد تضم مكتبات ؛وكانت لكل مدرسة مكتبة .وقد وجدت المكتبات عندما ظهرت أهمية السجلات المكتوبة فى تنظيم العلاقات الإنسانية ؛وكان الغرض من إنشاء المكتبات القديمة هو حفظ الوثائق والأرشيف لتيسير عمليات التجارة أو إدارة الدولة أو بث المعتقدات وتوصيلها إلى الأجيال المتعاقبة .أي أن المكتبة كانت دائما ولا تزال ثمرة للتنظيم الاجتماعي والبحث والدراسة.وقد بدأت المكتبة منذ القرن التاسع عشر تقوم بمسؤولياتها نحو عامة الناس بواسطة النخبة أو الصفوة.ولعل ارتباط المكتبة بالصفوة قد أكسبها مكانة مرموقة أصبحت المكتبة جزءًا من الهيبة التي أضافها بعض الحكام على أنفسهم مثل بطليموس وشارلمان ) اللذان قاما بتأسيس المكتبات لاهتمامهما بالأدب والمعرفة؛وقد جذبا إلى هذه المكتبات علماء وباحثين لتجميع المواد وحفظها وتنظيمها .
ومع اختراع الطباعة نشطت حركة انتشار المكتبات .وبما أن المكتبة كانت تعتبر أرشيفا حيث تحفظ كافة السجلات اللازمة ،فقد كانت في خدمة السلطة الحاكمة،وبعضها تقوم مقام المتحف الذي يحفظ الكتب الثمينة فضلا عن كونها إحدى مظاهر الرقي الاجتماعي لبعض النبلاء أو الأثرياء،كما ظلت المكتبات علاوة على ذلك تعتبر المعمل الوحيد ،ومصدر الدراسة للعلماء تخدم البحث،ثم تحطم هذا النظام القديم بظهور الثورات السياسية والصناعية في أوربا في القرن التاسع عشر وبرزت جماعات جديدة فأصبح لزاماً على المكتبة أن تقوم بمسؤولياتها في خدمة كافة الرواد وأصبحت المكتبة المكان الذي يفيد الجمهور في مختلف القطاعات
وقد عثر في مصر على مخطوطا ت من لفائف البردي ترجع في تاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وقد كانت اللفافة لا تزيد في طولها على عشرة أمتار وكانت هذه اللفافات تحفظ في جلود أو توضع على الرفوف وما وجد منها في داخل الأهرام والمقابر المختلفة كانت عبارة عن وثائق في حيازة الكهنة ورجال الدين .ولذلك يمكن القول بأنها من جميع المكتبات التي كون منها شبه مكتبات في وادي النيل ، وتعتبر أقدم مكتبة في نيبور في وادي الفرات ، فقد وجد فيها نحو 30ألف وثيقة تتعلق بالشؤون الإدارية وآلاف أخرى تتعلق بالفنون الأدبية وكلها منقوشة على ألواح من الطين ، وقد استمرت عادة تكوين المكتبات على ألواح الطين طوال الدولتين ، البابلية والآشورية في القرنين السابع والثامن قبل الميلاد . . وفي وادي نينوى وجدت حجرة مملوءة إلى ارتفاع نصف متر بألواح مكتوبة وحينما تم اكتشافها اتضح أنها جزء من مكتبة كانت لمعبد نيبو الذي يرجع وجوده لحكم الملك سرجون ( 205-721ق . م ) كانت محفوظة فوق رفوف ولكنها سقطت عندما تآكلت الرفوف وتخرب ا لقصر .وهناك مكتبة أخرى لآشور بانيبال ففي عهد هذا الملك كانت هناك حركة علمية دراسية بمعنى الكلمة ، ولما كثرت الفتوحات الإسلامية أخذ العرب أساليب الحضارة وبدؤا في جمع وترجمة المؤلفات الإغريقية وتكوين المكتبات وتم إنشاء العديد من المكتبات التي تضم مختلف أصناف المعرفة ، وقد أدت الغرض في ذلك العصر .
أشهر المكتبات في عصر الحضارة الإسلامية-:
1- مكتبة بيت الحكمة : التي أنشأها أبو جعفر المنصور وتوسعت في عصر الرشيد وازدهرت في عصر المأمون ، من أشهر وأعظم المكتبات الإسلامية وقد حرص الخلفاء العباسيون على جمع نفائس الكتب ونوادرها من المؤلفات العربية والمترجمة عن اللغات المختلفة وقد عمل بها مترجمون ونساخون وخطاطون ومجلدون ، وكان من أبــرز العاملين بها سهل بن هارون وحنين بن إسحاق والخوارزمي ، وقد وجدت بها حجرات ليستخدمها العلماء والمؤلفون ، ولم تكن مجرد مخزن للكتب بل كانت مركزاً للبحث والدراسة وظلت قائمة حتى سقوط الدولة العباسية على يد المغول سنة 656 هـ ثم أتلفوها
2- مكتبة سيف الدولة الحمداني : أوقف سيف الدولة الحمداني مجموعة من الكتب في حلب وأطلق عليها اسم خزانة الكتب . وقد وضعت في بناء مستقل كان خازن هذه المكتبة يدعى ثابت بن اسلم بن عبد الوهاب، أبو الحسن الحلبي . قال عنه السيوطي : تولى خزانة الكتب بحلب لسيف الدولة . وقد أتخذ من المكتبة مكاناً لعقد اجتماعات دينية ومذهبية فقتل لخلافات مذهبية وحيث اتهمه الإسماعليون بإفساد دعوتهم . ويقال إن هذه المكتبة قد أحرقها الفاطميون ضمن ما أحرقوا في الدولة الحمدانية . ويقال أنه كان بها 10000 مجلد عندما احترقت . وقفها سيف الدولة بن حمدون وغيره ممن جاء بعده
3- مكتبة قرطبة : أسسها الخليفة عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر في مدينة الزهراء بقرطبة ، ثم أخذت تتسع وتنمو أثناء حكمه حتى بلغت شهرة عالمية ، وقد حققت هذه المكتبة أوج شهرتها في عهد ابنه الحكم الثاني المستنصر الذي أفاد من قوة الدولة أثناء حكم والده ، ومن توفر الأموال والرفاهة ، فضلاً عن ثقافته الواسعة ، ومحبته للعلم ، في دعم هذه المكتبة ، فأنفق عليها ، وجلب إليها الكتب من كل قطر ، ومن بين الكتب التي اقتناها كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ، وأرسل إلى مؤلفه مبلغ ألف دينار من الذهب العين ثمناً له ، قال عنه ابن خلدون : كان محباً للعلوم ، مكرماً لأهلها ، جماعة للكتب في أنواعها ، ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله. فأقام للعلم والعلماء سلطاناً نفقت فيه بضائعه من كل قطر . وكان يبعث في الكتب إلى الأقطار رجالاً من التجار ويسرب إليهم الأموال لشرائها حتى جلب منها إلى الأندلس ما لم يعهدوه
وقد حوت هذه المكتبة حوالي 400 ألف مجلد ، كتبت فهارسهاً في 44 كراسة ، في كل واحدة منها خمسون ورقة ، عشرون منها خصصت للدواوين الشعرية فقط . وكان الحكم يستخدم الكثير من هذه الكتب ، يقرأ فيها ، ويدون ملاحظاته وتعليقاته على هوامش المخطوطات ، مما جعلهـــا ذات أهميـة عظيمـة فـي نظــر العلمـاء المتأخرين ، كما كان لهذه المكتبة أثر واسع في نشر الفلسفة اليونانية والرياضيـــات والعلــوم الطبيعيــة والطــب وغيرها من العلوم . للأسف كان مصير هذه المكتبة ، نفس مصير المكتبات المشرقية الحرق والسلب والنهب والتخريب ، ذلك أنه بعد وفاة الحكم ولي الأندلس المنصور بن أبي عامر ، وقد أراد أن يرضي العامة والفقهاء في زمانه فأخرج من المكتبة جميع الكتب الفلسفية وكتب علوم الأوائل وأضرم فيها النار في الميدان العام في قرطبة . ولم يقف أمر هذه المكتبة عند هذا الحد فقد ضعفت الأندلس بعد وفاة المنصور وبدأت في التفسخ وقد تعرضت قرطبة لحصار البرابرة الذين بدأوا الزحف المبكر على الأندلس في بداية القرن الخامس الهجري واحتاج الحاجب واضح مولى المنصور بن أبي عامر إلى المال فأخرج أكثر الكتب من مكتبة الحكم وباعها وما تبقى منها نهب وحرق عندما اجتاح البرابرة قرطبة .
ومن هذا نصل إلي أن تاريخ المكتبات هو تاريخ لتطور الكتابة بدأه الإنسان بالكلمات المنطوقة (المشافهة ) ثم بتمثيل هذه الكلمات برموز مرئية هي الكتابات التي نشأت على مراحل صور محفورة على الصخور أو الأحجار أو الخشب أو المعادن أو الصلصال ثم كانت الكتابة مخطوطة على ورق البردي أو الرق أو الجلد ثم الكتابة مطبوعة على الورق العادي وليس هناك ما يؤكد أن الطباعة على الورق ستستمر أبد الدهر, بل يوجد العديد من المؤشرات تدل على أن عصر الطباعة على الورق ستنافسه العديد من التطورات وربما تفوقه.
ومع تعاقب الأزمنة والعصور أدخلت العديد من التطورات على المكتبة حتى أصبح الزمن الذي كانت فيه المكتبة حافظة لجميع المطبوعات قد ولى، بعد أن أصبحت اليوم تحفظ المطبوعات المفيدة فقط ، وهناك العديد من الإحصائيات التي دلت على أن عدداً كبيراً من المؤلفات المصفوفة فوق الرفوف عديمة الفائدة تحتل أماكن على حساب مؤلفات أكثر أهمية ، وذلك لأن كل عصر قد شكل مقتنياته ومجموعاته في مكتباته ، فمن المكتبات البدائية في دور العبادة ومن دور المحفوظات التي تحفظ وثائق الدولة وأسرارها إلى المكتبات المدرسية التي تحرص على اقتناء الكتب المنهجية إلى المكتبات العامة التي تخدم عامة الشعب إلى المكتبات الجامعية والمتخصصة إلى مراكز المعلومات ومع بزوغ عصر المعلومات كان لابد من الاعتماد على مصادر أكثر تطوراً لحفظ الإنتاج الفكري والتي تمثلت في المصغرات الفيلمية ومع الثورة العارمة للإنتاج الفكري وتشتت العلوم وتشعب التخصصات ظهرت الحاجة الماسة لإيجاد وسائل متطورة للوصول إلى المعلومات المطلوبة بأقل جهد وأسرع وقت ولهذا من أبرزها تقنيات الحاسوب والذي ساهم في ضبط الأعمال الروتينية بالمكتبات عن طريق الاستعانة بالتسجيلات المقروءة آلياً في الإجراءات الفنية.
ويبدو أننا في القرن الواحد والعشرين قد أقبلنا على عصر إلكتروني جديد تصدر فيه مختلف مواد المكتبة بالشكل الإلكتروني ويتم الوصول إلى هذه المواد عن طريق الاتصالات المتقدمة وهذه التقنية كانت سبباً في تغيير مفهوم المكتبة ومهدت الطريق لظهور المكتبات الإلكترونية

المهنة المكتبية

نشأة المهنة المكتبية

والآن سنتعرف على المكتبي. ذلك أن لا مكتبة بدون مكتبي يديرها!
من هو المكتبي ؟؟ وما هي أهميته ؟؟ .. ووظائفه ؟؟
أسئلة لها مكانتها في المكتبة . ولكي نتعرف على هذا الأمين , حارس الكتب . رجل المكتبة السحرية الحكيم .. وكاتب بيت الحياة المزدوج
دعونا نتعرف عليه
بحثنا عن المكتبة , وأهميتها في عصورنا الماضية والحاضرة , وما لها من مكانة بيننا . وما يتفرع من ذلك من أمور . والآن نريد أن نبحث عن المكتبي وتعريفه ومهامه ومكانته في المجتمع وما ماثل ذلك . إذا لا مكتبة بدون مكتبي يدير ويدبر أمورها
لقد كان أقدم أمناء المكتبات في العالم من الكهنة ورجال الدين وهنا وضع سلم طبيعي لأن المكتبة نشأت أول ما نشأت في المعبد كما ذكرنا سلفاً , لذلك كانت ثقافتهم دينية ,ففي بلاد الرافدين كانوا يسمون أمين المكتبة حارس الكتب وكان من الواجب أن يكون شخصاً مثقفاً ومعداً لهذا العمل فقد كان من الواجب أن يكون
1- شخصاً متخرجا من مدرسة الكَتَبة التي تُعلم الكُهان القراءة والكتابة.
2- ومتمرناً على نسخ السجلات وحفظها وخاصة الأدبية منها.
ولقد كان أمين المكتبة يلقب بألقاب كثيرة تشير إلى أهميته وإلى طبيعة محتويات مكتبته , فهناك لقب لأحد أمناء مكتبة من المكتبات كاتب بيت الحياة المزدوج كذلك كانوا يلقبون أمناء مكتبة أخرى بلقب رجال المكتبة السحرية الحكماء وهذه الألقاب تدل على أن المكتبات التي كانت بعهدهم تحوي كتباً دينية وفلسفية وطبية بل لقد ورد لقب سيدة كانت تساعد في إدارة مكتبة طبية وهي سيدة الحروف ، أمينة بيت الكتب
وإذا انتقلنا إلى اليونان نجد نفس الرتبة العالية ممنوحة لأمناء المكتبات
أما في الإسكندرية فقد تنوعت اختصاصاتهم فمنهم الفلكيون ومنهم الرياضيون ومنهم الأدباء ومنهم اللغويون ومنهم الجغرافيون وهم : زينودوتس ، كاليماخوس ، ابولونيوس ، ايراتوستينس ، ايرستوفانس ، ابولونيوس الايديوغرافي
هذا وإن أشهر هؤلاء البحاثة من حيث الاعتناء بالمكتبات وتنظيمها هو كليماخوس الذي أوجد فهرساً لمكتبة الإسكندرية لعله من أقدم فهارس المكتبات في العالم وأسمه Pinakes بناكس .
وقد كان لأمناء مكتبة الإسكندرية ثلاث مهمات
1- أن يجمعوا التراث القديم المشتت
2- البحث والتدريس والتمحيص والتأليف والتجارب.
3- التنظيم للمكتبات تنظيما فنياً وتسهيل سبل الاطلاع على محتوياتها وتسهيل عمل الباحثين
وقد كانت مهمة أمين المكتبة الرئيسي في الزمن القديم شراء المخطوطات و الكتب الجديدة , فهرسة وتصنيف الكتب على حين كانت مهمة مساعده الإشراف على النسخ والنساخ والاعتناء بالمخطوطات القديمة وإخراج التالف منها وإحلال مخطوطات جديدة محلها أما الموظفون العاديون( غير المختصين ) فهؤلاء كانت مهمتهم غير فنية وإنما يقومون بالأعمال المطلوبة منهم تحت إشراف الفنيين والعلماء فقد كان واجبهم أن يكونوا قادرين على القراءة والكتابة وأن يقوموا ببقية الأعمال المطلوبة منهم أما في العالم الإسلامي . الذي كان شعلة وضاءة ونبراساً من نور يُقتدى به إبان ازدهار الحضارة الإسلامية فقد انتشرت المكتبات في طول البلاد وعرضها وتنوعت أهدافها وأغراضها واهتماماتها وقصدها البحاثة والعلماء والطلاب من جميع الجهات وكانت هذه المكتبات كثيرة جدا ومتنوعة كل التنوع وغنية في محتوياتها وقد وضعت المكتبات الكبرى تحت إدارة ثلاث أشخاص : المشرف الأعلى ويسمى ( الوكيل ) ، وأمين المكتبة ويسمى ( الخازن ( ، ومساعد ويسمى ) المشرف ( ، وطبعا تغيرت هذه الأسماء مع الزمن وبالنسبة لمختلف المؤسسات طبيعتها ووظيفتها وحجمها . ولكن حوفظ على هذا النظام الثلاثي وإن كان هناك تغير في الأسماء والمناصب أما المكتبات الأقل أهمية واتساعاً فكان يديرها في الإشراف اثنان أمين المكتبة ومساعده ولقد وضعت إدارة المكتبات الصغيرة بعهدة شخص واحد فقط ولقد ساد في مطلع القرن نظرية تقول أن أمين المكتبة أو المكتبي يجب أن يكون حارساً للكتب فقط , وبالتالي فهو حارس للمعرفة الإنسانية. فكلما حرص أمين المكتبة على سلامة محتويات مكتبته من الضياع والتلف والخسارة اعتبر أميناً ناجحا وإنه قام بواجبه خير قيام ولكن هذه النظرة تغيرت والحمد لله في الآونة الأخيرة وأصبح ينظر إلى أمين المكتبة على أنه معلم الشعب وينظر إلى المكتبة على أنها مدرسة وجامعة الشعب . فكلما تمكن أمين المكتبة من جذب القراء إلى المكتبة , وكلما زاد عدد الكتب المعارة وزاد نشاط أمين المكتبة الاجتماعي والثقافي وتمزقت الكتب من كثرة إعارتها وقراءتها كان ذلك دليل حياً على نشاط المكتبة وعلى نجاحها في مهمتها الموكلة إليها ومع مضي الزمن وتعقد الحياة وارتفاع مستوى الحضارة أصبحت المكتبات مؤسسات كبرى ولا بد من التخصص في إدارتها وتدبير أمورها , وأدى ذلك بالتالي إلى اعتبار مهنة أمين المكتبة مهنة من المهن الراقية التي يعد المرء إعدادا جيداً من أجلها وأصبحت هذه المادة تدرس في أرقى جامعات العالم وتمنح بها أرقى الدرجات العلمية .
تطور المهنة المكتبية
بداية ترتبط مهام اختصاصي المكتبة بالمكتبة التي يعمل بها. والمكتبات على أنواع عدة، منها المكتبات القومية، والعامة، والمدرسية، والجامعية، والمتخصصة، والخاصة، وكل نوع من هذه المكتبات تقدم خدماتها لفئة معينة من المستفيدين، ولا يستثنى منها سوى المكتبات العامة، فهي مكتبات الشعب وجامعته، فهي تفتح أبوابها أمام الجميع بلا تفرقة بينهم لجنس أو لدين أو لعمر أو لجانب اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، فهي تهب العلم حرًا لكل من يقصدها، ولذلك فخدماتها تتسع لتشمل كافة الخدمات المكتبية التي تركز عليها الأنواع الأخرى من المكتبات، ولذلك سوف نتتبع تاريخ وتطور اختصاصي المكتبة من خلال هذه النوعية من المكتبات. وبادئ ذي بدء فقد ارتبطت المهام التي يقوم بها اختصاصيو المكتبة العامة بالخدمات المكتبية العامة، ولذلك أشار الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات والمعلومات( IFLA) إلى أن المقصود من الخدمة المكتبية العامة وظائف المكتبة العامة، أو المحصلة النهائية لهذه الوظائف، وأن المقصود من مصطلح وظائف ما تقوم به المكتبة العامة فعلاً من أعمال وأنشطة تلبية لرغبات المترددين عليها. ولقد تطورت وظائف اختصاصي المكتبة على مر العصور مع تطور المكتبات وخدماتها، ففي العصور القديمة كانت المكتبات جزءًا من دور العبادة، مثلها في ذلك كالمدارس والمستشفيات، ولقد تمثلت طبقة العلماء في الكهنة ورجال الدين، وكان هؤلاء يحتفظون بإنتاجهم الفكري من كتب وأبحاث ودراسات في المعابد التي يعملون بها، وقاموا بتدوين هذا الإنتاج بكتابات لا يستطيع أفراد الشعب قراءتها، ومن ثم لا يستطيع أحدهم معرفة أسرارهم العلمية فينافسهم الزعامة والسيطرة على الناس، ففي مصر القديمة- على سبيل المثال- كانت الكتابة الهيروغليفية أولى الكتابات التي ابتكرها كهنة مصر العلماء ودونوا بها كتاباتهم المختلفة، وبالمثل كانت حضارات الصين والهند وبلاد الرافدين، وفي هذه الأثناء لم يتم تعيين مسؤول للمكتبة، فقد كان هؤلاء العلماء يحتفظون بإنتاجهم الفكري بالمعابد بالصورة التي تتراءى لهم، ولكل منهم مكان خاص، ومع تزايد الإنتاج الفكري بدأ يتطوع أحدهم بتنظيم مقتنيات المكتبة بصورة معينة من أجل المحافظة عليها من التلف أو الفقد، وفي نفس الوقت لم تكن المكتبة مفتوحة أمام عامة الشعب، بل اقتصرت خدماتها على فئة العلماء فقط. وبعد أن كانت هذه الوظيفة بالتطوع أصبحت بالتعيين، ولقد كان التركيز في البداية على اختيار أمين المكتبة من العلماء أو المفكرين أو الأدباء أو المحبين للكتب والقراءة، ففي مكتبة الإسكندرية القديمة وقع الاختيار على( كاليماخوس) الذي كان يعمل معلمًا إلى جانب شهرته في مجال الشعر والأدب، وعندما تولى العمل في إدارة مكتبة الإسكندرية وجد أن مقتنيات المكتبة في نمو متزايد، نتيجة حرص الملوك البطالمة على جمع التراث اليوناني والبشري من كل مكان بهذه المكتبة، حتى إن السفن التي كانت تأتي إلى ميناء الإسكندرية كان يتم تفتيشها وتفتيش من عليها بحثًا عن الكتب لتزويد المكتبة لها، لذلك فكر (كاليماخوس) في عمل سجل يضم كافة هذه المقتنيات، ووصف كل كتاب بعنوانه واسم مؤلفه وموضوعه وفقرات من بدايته ونهايته، وذلك من أجل حصر المقتنيات، وتسهيل تعرف العلماء وصغار العلماء من طلبة العلم المترددين على المكتبة على مقتنياتها. وعندما مات (كاليماخوس) ولم يكن قد انتهى من هذا العمل استكمله تلاميذه (أبولونيوس) و(أرستاخوس . ولقد استمرت الفئة المسيطرة على إدارة المكتبات من العلماء والأدباء ومحبي القراءة نظرًا لارتباطهم كثيرًا بالمكتبات من أجل القراءة والاطلاع وإعداد الأبحاث والدراسات المختلفة، إلى جانب تشجيع الحكام لهم على مواصلة البحث العلمي. ففي العصر الإسلامي ظهرت الكثير من المكتبات العامة، وكان من أبرزها “بيت الحكمة” في بغداد التي أقامها الخليفة المأمون، وبيت الحكمة في القاهرة التي أقامها الحاكم بأمر الله. ولقد حرص الخلفاء على جمع تراث الإنسانية بمكتباتهم، كما شجعوا الترجمة من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية، حتى إن المأمون كان يمنح كل من يقوم بترجمة أي كتاب إلى اللغة العربية وزن ورقة ذهبً. هذا، ولقد استمرت وظيفة المكتبي الأساسية تقوم على الجمع والحفظ، أي جمع مقتنيات المكتبة وحفظها، حتى إن المكتبات الفرنسية- على سبيل المثال- كانت تربط الكتب بالسلاسل خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين تأكيدًا للمحافظة عليها من أية أخطار تهددها، بخاصة تعرضها للسرقة، وكان من يريد القراءة يأخذ الكتاب بسلاسله ويقرؤه ثم يعيده للخزانة كما هو. وحرص أمين المكتبة في هذه الفترة على أن تكون الكتب بعيدة (قدر المستطاع) عن أيدي الناس، حتى يتمكن فيما بعد من تسليمها عهدة لمن يأتي بعده من أمناء المكتبة، دون أن تكون الكتب قد مزقت، أو أصابها التلف من كثرة الاستخدام، أو فقدت بسبب السرقة. ولقد كان أمين المكتبة معذورًا في ذلك، حيث كانت الكتب غالية الثمن وصعبة المنال، ولا يمكن تعويضها، وكانت المكتبة لا يوجد بها سوى نسخة واحدة من كل كتاب، وكانت عبارة عن مخطوطات يتم نسخها باليد، فلم تكن الطباعة قد اخترعت بعد . ومع تركيز أمناء المكتبات في هذه الفترة على المحافظة على الكتب وتقديمها على حذر للمستفيدين، كان لا يهتم الكثير منهم بتنظيم مقتنيات مكتباتهم لتسهيل الاستفادة منها، ومن كان ينظم مكتبته فإنه كان ينظمها بطريقته الخاصة، نظرًا لعدم وجود قواعد وأسس لتنظيم المكتبات آنذاك، وفي نفس الوقت كان أمين المكتبة لا يحرص على بذل أي جهد لتشجيع الناس على استخدام الكتب والقراءة، بل كان يضع العراقيل أمامهم، حتى إن بعض المكتبات الأوروبية جعلت ارتياد المكتبة في أيام معينة، ومنها من اشترطت ألا يقل سن المستفيد عن 21 عامًا، وأن يكون الغرض من ارتياد المكتبة هو الاطلاع فقط، مع عدم جواز القراءة بغرض اجتياز امتحان معين! ولذلك كانت الخدمة المكتبية العامة في هذه الفترة وقفًا على المفكرين فقط، والذين لديهم معرفة بالكتب، أي الذين يستطيعون تحديد ما يرغبون في قراءته دون مساعدة كبيرة من أمين المكتبة. ومع بداية عصر النهضة في أوروبا بدأ أول نداء للاهتمام بالمكتبات العامة على يد «مارثن لوثر»، الذي اعتبرها ضرورية للتعليم، نظرًا لزيادة أعداد المدارس وزيادة الاهتمام بمحو الأمية، وظهور حركات الإصلاح المختلفة، ونداءات الحرية والتقدم والنهضة الثقافية والفكرية. وبذلك تغيرت وظيفة أمين المكتبة من مجرد جمع وحفظ مواد المكتبية، إلى تشجيع استخدامها بلا قيود أو عقبات. ولذلك ابتكر المكتبيون عمليات فنية مساعدة للمستفيدين على استخدام المواد المكتبية وتشجيعهم على ارتيادها، وإرشادهم إلى المواد المناسبة لهم، ومن ثم تحول أمين المكتبة من مجرد حارس لها إلى مشجع للتردد على المكتبة والاستفادة منها

المراجع :

التخطيط لخدمة مرجعية رقمية تعاونية بين المكتبات،/ اريم الرابغي.-الطبعة رقم 1 .

المصادر المرجعية بالمكتبات ومصادر التعلم “أنواعها وخدماتها” / محمد عبد الجواد شريف .- الطبعة رقم 1.- العلم والايمان للنشر والتوزيع .

تسويق المعلومات وخدماتها فى المكتبات ومراكزالمعلومات / تريسا ماى لشر .- الطبعة رقم 1 .         


الخدمة المرجعية في المكتبات ومراكز المعلومات / السيد النشار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق